الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{والسابحات سَبْحاً} فيه خمسة أوجه:أحدها: هي الملائكة سبحوا إلى طاعة الله من بني آدم، قاله ابن مسعود والحسن.الثاني: هي النجوم تسبح في فلكها، قاله قتادة.الثالث: هو الموت يسبح في نفس ابن آدم، قاله مجاهد.الرابع: هي السفن تسبح في الماء، قاله عطاء.الخامس: هي الخيل، حكاه ابن شجرة، كما قال عنترة: ويحتمل سادساً: أن تكون السابحات الخوض في أهوال القيامة.{فالسابقات سَبْقاً} فيه خمسة تأويلات:أحدها هي الملائكة تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء، قاله على رضي الله عنه ومسروق.وقال الحسن: سبقت إلى الايمان.الثاني: هي النجوم يسبق بعضها بعضاً، قاله قتادة.الثالث: هوالموت يسبق إلى النفس، قاله مجاهد.الرابع: هي النفس تسبق بالخروج عند الموت، قاله الربيع.الخامس: هي الخيل، قاله عطاء.ويحتمل سادساً: أن تكون السابقات ما سبق من الأرواح قبل الأجساد إلى جنة أو نار.{فالمدبرات أمْراً} فيهم قولان:أحدهما: هي الملائكة، قاله الجمهور، فعلى هذا في تدبيرها بالأمر وجهان:أحدهما: تدبير ما أمرت به وأرسلت فيه.الثاني: تدبير ما وكلت فيه من الرياح والأمطار.الثاني: هي الكواكب السبعة، حكاه خالد بن معدان عن معاذ بن جبل؛ وعلى هذا في تدبيرها للأمر وجهان.أحدهما: تدبير طلوعها وأفولها.الثاني: تدبير ما قضاه الله فيها من تقلب الأحوال.ومن أول السورة إلى هذا الموضع قسم أقسم الله به، وفيه وجهان:أحدهما: أن ذكرها بخالقها.الثاني: أنه أقسم بها وإن كانت مخلوقة لا يجوز لمخلوق أن يقسم بها، لأن لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه.وجواب ما عقد له القسم ثلاثة أقاويل:أحدها: أنه مضمر محذوف وتقديره لو أظْهر: لتُبْعَثُن ثم لُتحاسبُن، فاستغنى بفحوى الكلام وفهم السامع عن إظهاره، قاله الفراء.الثاني: أنه مظهر، وهو قوله تعالى: {إن في ذلك لعبرةً لمن يخشى} قاله مقاتل.الثالث: هو قوله تعالى: {يوم ترجف الراجفة تَتْبعُها الرادفة}.وفيهما ثلاثة أقاويل:أحدها: أن {الراجفة} القيامة، و{الرادفة} البعث، قاله ابن عباس.الثاني: أن {الراجفة} النفخة الأولى تميت الأحياء، و{الرادفة}: النفخة الثانية تحيي الموتى، قاله الحسن وقتادة.وقال قتادة: ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينهما أربعون، ما زادهم على ذلك ولا سألوه، وكانوا يرون أنها أربعون سنة».وقال عكرمة: الأولى من الدنيا، والثانية من الآخرة.الثالث: أن {الراجفة} الزلزلة التي ترجف الأرض والجبال و{الرادفة} إذا دكّتا دكة واحدة، قاله مجاهد.ويحتمل رابعاً: أن {الراجفة} أشراط الساعة، و{الرادفة}: قيامها.{قلوبٌ يومئذٍ واجِفَةٌ} فيه وجهان:أحدهما: خائفة، قاله ابن عباس.الثاني: طائرة عن أماكنها، قاله الضحاك.{أَبْصارُها خاشِعة} فيه وجهان:أحدهما: ذليلة، قاله قتادة.الثاني: خاضعة، قاله الضحاك.{يقولون أئنا لَمْردودُونَ في الحافرة} فيه أربعة تأويلات:أحدها: أن {الحافرة} الحياة بعد الموت، قاله ابن عباس والسدي وعطية.الثاني: أنها الأرض المحفورة، قاله ابن عيسى.الثالث: أنها النار، قاله ابن زيد.الرابع: أنها الرجوع إلى الحالة الأولى تَكذيباً بالبعث، من قولهم رجع فلان على قومه إذا رجع من حيث جاء، قاله قتادة، قال الشاعر: {أَئِذا كْنَا عِظاماً نخرة} فيه ثلاثة أقاويل:أحدها: بالية، قاله السدي.الثاني: عفنة، قاله ابن شجرة.الثالث: خالية مجوفة تدخلها الرياح فتنخر، أي تصوّت، قاله عطاء والكلبي.ومن قرأ: {ناخرة} فإن الناخرة البالية، والنخرة التي تنخر الريح فيها.{تلك إذاً كَرّةٌ خاسِرة} فيه تأويلان:أحدهما: باطلة لا يجيء منها شيء، كالخسران، وليست كاسبة، قاله يحيى بن سلام.الثاني: معناه لئن رجعنا أحياء بعد الموت لنخسرنّ بالنار، قاله قتادة ومحمد بن كعب.ويحتمل ثالثاً: إذا كنا ننتقل من نعيم الدنيا إلى عذاب الآخرة فهي كرة خاسرة.{فإنّما هي زجْرةٌ واحدةٌ} فيه تأويلان:أحدهما: نفخة واحدة يحيا بها الجميع فإذا هم قيام ينظرون، قاله الربيع بن أنس.الثاني: الزجرة الغضب، وهو غضب واحد، قاله الحسن.ويحتمل ثالثاً: أنه لأمر حتم لا رجعة فيه ولا مثنوية.{فَإذَا هم بالسّاهرةِ} فيه أربعة تأويلات:أحدها: وجه الأرض، قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد، والعرب تسمي وجه الأرض ساهرة لأن فيها نوم الحيوان وسهره، قال أمية بن أبي الصلت: وقال آخر يوم ذي قار لفرسه: الثاني: أنه اسم مكان من الأرض بعينه بالشام، وهو الصقع الذي بين جبل أريحا وجبل حسّان، يمده الله تعالى كيف يشاء، قاله عثمان بن أبي العاتكة.الثالث: أنها جبل بيت المقدس، قاله وهب بن منبه.الرابع: أنه جهنم، قاله قتادة.ويحتمل خامساً: أنها عرضة القيام لأنها أول مواقف الجزاء، وهم في سهر لا نوم فيه.{هلْ أتاكَ حديث موسى إذ ناداه ربه بالوادِ المقدَّسِ طوى} فيه قولان:أحدهما: وهو قول مبشر بن عبيد هو واد بأيلة.الثاني: وهو قول الحسن، هو واد بفلسطين.وفي {المقدَّس} تأويلان:أحدهما: المبارك، قاله ابن عباس.الثاني: المطهر، قاله الحسن: قدّس مرتين.وفي {طوى} أربعة أقاويل:أحدها: أنه اسم الوادي المقدس، قاله مجاهد وقتادة وعكرمة.الثاني: لأنه مر بالوادي فطواه، قاله ابن عباس.الثالث: لأنه طوي بالبركة، قاله الحسن.الرابع: يعني طأ الوادي بقدمك، قاله عكرمة ومجاهد.ويحتمل خامساً؛ أنه ما تضاعف تقديسه حتى تطهّر من دنس المعاصي، مأخوذ من طيّ الكتاب إذا ضوعف.{فَقُلْ هل لك إلى أن تزكى} فيه قولان:أحدهما: إلى أن تُسْلِم، قال قتادة.الثاني: إلى أن تعمل خيراً، قاله الكلبي.{فأَراهُ الآيةَ الكُبْرَى} فيها قولان:أحدهما: أنها عصاه ويده، قاله الحسن وقتادة.الثاني: أنها الجنة والنار، قاله السدي.ويحتمل ثالثاً: أنه كلامه من الشجرة.قوله: {فَحَشَرَ فنادَى} فيه وجهان:أحدهما: حشر السحرة للمعارضة، ونادى جنده للمحاربة.الثاني: حشر الناس للحضور ونادى أي خطب فيهم.{فأخَذَهُ الله نكال الآخرة والأُولى} فيها أربعة أقاويل:أحدها: عقوبة الدنيا والآخرة، قال قتادة: عذبه الله في الدنيا بالغرق وفي الآخرة بالنار.الثاني: عذاب أول عُمرِه وآخره، قاله مجاهد.الثالث: الأولى قوله: {ما علمت لكم مِن إلهٍ غيري} والآخرة قوله: {أنا ربكم الأعلى}، قاله عكرمة، قال ابن عباس: وكان بينهما أربعون سنة، وقال مجاهد: ثلاثون سنة، قال السدي: وهي الآخرة ثلاثون سنة.الرابع: عذاب الأولى الإمهال، والآخرة في النار، من قوله تعالى: {النار يعرضون عليها} الآية، قاله الربيع.{وأَغْطَشَ لَيْلَها وأَخْرَجَ ضُحاها} معناه أظلم ليلها، وشاهد الغطش أنه الظلمة قول الأعشى: يعني يغمرهم ليلهم لأنه غمرهم بسواده.وفي قوله: {وأخرج ضُحاها} وجهان:أحدهما: أضاء نهارها وأضاف الليل والضحى إلى السماء لأن منهما الظلمة والضياء.الثاني: قال ابن عباس أن أخرج ضحاها: الشمس.{والأرضَ بَعْد ذلك دحاها} في قوله (بَعْد) وجهان:أحدهما: مع وتقدير الكلام: والأرض مع ذلك دحاها، لأنها مخلوقة قبل السماء، قاله ابن عباس ومجاهد.الثاني: أن (بعد) مستعملة على حقيقتها لأنه خلق الأرض قبل السماء ثم دحاها بعد السماء، قاله ابن عمر وعكرمة. وفي {دحاها} ثلاثة أوجه:أحدها: بسطها، قاله ابن عباس، قال أمية بن أبي الصلت: قال عطاء: من مكة دحيت الأرض، وقال عبد الله بن عمر: من موضع الكعبة دحيت.الثاني: حرثها وشقها، قاله ابن زيد.الثالث: سوّاها، ومنه قول زيد بن عمرو: {فإذا جاءت الطامّةُ الكُبْرى} فيه أربعة أقاويل:أحدها: أنها النفخة الآخرة، قاله الحسن.الثاني: أنها الساعة طمت كل داهية، والساعة أدهى وأمّر، قاله الربيع.الثالث: أنه اسم من أسماء القيامة يسمى الطامة، قاله ابن عباس.الرابع: أنها الطامة الكبرى إذا سيق أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، قاله القاسم بن الوليد، وهو معنى قول مجاهد.وفي معنى {الطامّة} في اللغة ثلاثة وجوه:أحدها: الغاشية.الثاني: الغامرة.الثالث: الهائلة، ذكره ابن عيسى، لأنها تطم على كل شيء أي تغطيه.{وأمّا مَنْ خاف مَقام رَبِّهِ ونَهَى النفْسَ عن الهَوى} فيه وجهان:أحدهما: هو خوفه في الدنيا من الله عند مواقعة الذنب فيقلع، قاله مجاهد.الثاني: هو خوفه في الآخرة من وقوفة بين يدي الله للحساب، قاله الربيع بن أنس، ويكون معنى: خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، قال الكلبي: وزجر النفس عن المعاصي والمحارم.{فإنّ الجنّةَ هي المأوَى} أي المنزل، وذكر أنها نزلت في مصعب بن عمير.{يسألونَكَ عن الساعةِ أيّانَ مُرْساها} قال ابن عباس: متى زمانها، قاله الربيع {فيمَ أنْتَ مِن ذِكْراها} فيه وجهان:أحدهما: فيم يسألك المشركون يا محمد عنها ولست ممن يعلمها، وهو معنى قول ابن عباس.الثاني: فيم تسأل يا محمد عنها وليس لك السؤال، وهذا معنى قول عروة بن الزبير.{إلى ربِّك مُنْتَهاها} يعني منتهى علم الساعة: فكف النبي صلى الله عليه وسلم عن السؤال وقال: يا أهل مكة إن الله احتجب بخمس لم يُطْلع عيهن مَلَكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً فمن ادعى علمهن فقد كفر: {إن اللَّه عنده علم الساعة...} إلى آخر السورة.{إنّما أنْتَ} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم.{مَنْذِرُ مَنْ يَخْشَاها} يعني القيامة.{كأنّهم يوم يَرَوْنَها} يعني الكفار يوم يرون الآخرة.{لَمْ يَلْبَثُوا} في الدنيا.{إلاَّ عَشيّةً} وهي ما بعد الزوال.{أو ضُحاها} وهو ما قبل الزوال، لأن الدنيا تصاغرت عندهم وقلّت في أعينهم، كما قال تعالى: {ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعةً من نهارٍ}. اهـ.
|